لماذا تنهار الليرة التركية وما هو مصيرها
مقدمة عن مشاكل الليرة التركية قبل الغوص في الأسباب لماذا تنهار الليرة التركية.
ممكن أن نقوم بتشبيه محافظ البنك المركزي في أي دولة بمختص جراحة الأدمغة, لأنه يجب أن يكون ماهر عندما يتدخل ويصدر أي قرار متعلق بالسياسة النقدية للدولة.
فكلمة واحدة تصدر منه ممكن أن تقلب إقتصاد الدولة رأسا على عقب خلال ساعات.
وهذا ينطبق مثلا على رئيس الإحتياطي الفديرالي الأمريكي, فعندما يقوم بعمل مؤتمر صحفي يراقب المستثمرون وغيرهم عن كثب الكلمات الصادرة
ويركزون على النبرة في الكلام وفي بعض الأحيان قد تصل بهم الأمور للتفتيش بين السطور من أجل الحصول على إشارات لتوجهات الفترة القادمة للبنك المركزي وتأثيره على الإقتصاد.
وبالتالي يجب على الرئيس المركزي أن يتمتع بإستقلالية ولا يكون آدائه متعلق بتدخلات سياسية.
يختلف الوضع في تركيا في شكل البنك المركزي وطريقة تعامله مع الإقتصاد
فالحكومة التركية أو بشكل أدق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصر على تطبيق سياسة نقدية تصطدم إلى حد كبير بالقواعد الحالية التي تحكم الأسواق المالية, وهي فرض أسعار فائدة منخفضة.
ويعتبر الرئيس التركي أن رفع أسعار الفائدة هي أصل الشر على حد تعبيره وبالتالي يحرص دائما على دفع البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة مهما كانت التكاليف.
وفي هذا السبيل تم إقالة ثلاث محافظين للبنك المركزي في أقل من سنتين آخرهم كان المحافظ ناجي أغبال بعد رفعه سعر الفائدة في شهر مارس من عام 2021.
وتم تعيين المحافظ صهاب كافجي أوغلو المؤيد لخفض أسعار الفائدة.
ما هو سر التركيز على أسعار فائدة منخفضة؟
محافظ البنك المركزي في تركيا أو أي دولة هو من يتحكم في كمية النقد الموجودة في السوق.
فعندما يريد تزويد النقد في السوق يقوم بخفض أسعار الفائدة وبالتالي عجلة الإقتصاد تدور بعد تدفق الأموال للأفراد والشركات بعد حصولهم على قروض بفوائد منخفضة والعكس صحيح بالنسبة لرفع أسغار الفائدة.
المنطق التركي الحالي في الإصرار على خفض أسعار الفائدة هو أن إرتفاع الفائدة يحدث مشكلتين
الأولى: أن رفع الفائدة يبطئ النمو الإقتصادي.
الثانية: رفع الفائدة يرفع معدلات التضخم.
لكن السؤال هل هذا الكلام صحيح؟
نظريا, نعم هذا الكلام صحيح ولكن عمليا وعلى أرض الواقع الوضع مختلف.
فإذا ألقينا نظرة على الإقتصاد التركي سنرى أن هذه الآلية لن تنفع الإقتصاد وأن الإصرار على خفض أسعار الفائدة سيحدث ضرر به.
لأن طبيعة الإقتصاد في تركيا مختلفة ولا ينفع تخفيض أسعار الفائدة بتحسين الإقتصاد
والسبب هو أن الإقتصاد في تركيا يعاني من تضخم مرتفع وبشكل مبالغ فيه ويعتمد على التمويل الأجنبي وهناك عجز في الحساب التجاري.
فخفض أسعار الفائدة يقلل عائد الإستثمار على الأصول التركية وبالتالي الليرة التركية تميل للضعف مقابل العملات الأخرى
لأن المستثمرون سيقررون وضع أموالهم في إستثمارات أخرى من أجل الحصول على عوائد أكبر
وهذا سيؤدي لزيادة تكلفة البضائع المستوردة بالليرة التركية وسيعاني الإقتصاد من إرتفاع في الأسعار وزيادة معدل التضخم.
وتشهد الليرة التركية إنخفاضا منذ تسع سنوات وبلغت أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكي في آخر ثلاث سنوات.
في عام 2017 كان الدولار الواحد يساوي 3.5 ليرة
أما اليوم فالدولار الواحد يساوي 13 ليرة تقريبا, ليبلغ ترجع الليرة أكثر من 350% خلال ثلاث سنوات.
هل إرتفاع سعر الفائدة يزيد معدلات التضخم؟
إن إرتفاع أسعار الفائدة لا يزيد معدل التضخم
والدليل أن هذا السلاح هو أحد الأدوات الأساسية في متناول البنوك المركزية لمحاربة التضخم.
الإقتصاد التركي بالأرقام وهل هو سبب من أسباب إنهيار الليرة التركية
بلغ مؤشر أسعار المنتجين 93% وهو أسوء معدل في عشرون عام,
وهو مؤشر يقيس التغير في تكاليف المدخلات للمنتجين
أو بشكل مبسط يقيس التغير في الأسعار التي يدفعها المنتجين من أجل شراء السلع والمواد الخام التي يحتاجونها في عملية الإنتاج.
وهذا على عكس مؤشر أسعار المستهلك
فمن الطبيعي أن يسير المؤشرين بأرقام قريبة مما يعني أنه عندما يبلغ مؤشر أسعار المنتجين في تركيا 93%
فهذا يعني أن مدخلات الإنتاج زادت على الشركات
وبالتالي ستكون هذه الأرقام بمثابة مؤشر أساسي لإرتفاع معدلات التضخم أو مؤشر أسعار المستهلك
ولكن الذي حصل في تركيا أن معدل التضخم وفقا لبيان معهد الإحصاء التركي هو 36% فقط
وهذا المعدل أقل من نصف الأرقام التي بلغها أسعار المنتجين.
مما أثار تساؤلات المحللين حول الفجوة الحاصلة بين أسعار المنتجين والمستهلك وإتهم بعضهم السلطات التركية بالتلاعب ببيانات التضخم.
لكن في الحقيقة هذه الفجوة ليس بالضرورة أن تكون بسبب تلاعب السلطات بأرقام التضخم, فمن الممكن أن نفسرها بطريقة أخرى.
وهي أن الشركات قررت أن تتحمل بعض التكاليف بتقليل الطلب والبيع بأرباح أقل من أجل الحفاظ على التدفقات النقدية بدلا من الإفلاس.
معدل التضخم المرتفع جعل الحياة أصعب وأكثر تكلفة وأثر بشكل سلبي على مستويات المعيشة والتوقعات تشير إلى إرتفاع التضخم إلى 45% في المستقبل القريب.
هذا الإرتفاع في الأسعار يضغط على شرائح كثيرة من الشعب التركي
تراجع الليرة يزيد تكلفة الديون التركية أيضا, وخلال الثلاث سنوات الماضية بدأت الخزانة التركية ببيع سندات محلية مكونة بعملات أجنبية إلى حد أن بلغ مكون العملات الأجنبية 60% في ديون الحكومة الإجمالي.
مع العلم أن هذه النسبة كانت 39% فقط في عام 2017 وبالتالي إنخفاض الليرة يزيد تكلفة خدمة الديون التركية من مكون العملة الأجنبية.
لماذا تنهار الليرة التركية وما هو مصيرها التوقعات الإقتصادية
لا يوجد إشارات أو توقعات عن تراجع سياسة الخفض المستمر على أسعار الفائدة في الوقت الذي يشهد فيه العالم توجهات لرفع أسعار الفائدة من أجل محاربة التضخم.
فالولايات المتحدة مثلا وبعد بلوغ التضخم 6% في أكتوبر العام الماضي, بدأ الفيدرالي الأمريكي بالتلميح إلى رفع أسعار الفائدة في النصف الأول من عام 2022.
وستكون هذه ضربة قوية للأقتصادات النامية بمن فيهم الإقتصاد التركي, فبعد رفع أسعار الفائدة سيحصل نزوح جماعي للأموال الأجنبية من تركيا هربا من الفائدة المنخفضة.